سورة القلم - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القلم)


        


{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ}، يعني مشركي مكة فإنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه فنهاه أن يطيعهم.
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} قال: الضحاك لو تكفر فيكفرون. قال الكلبي: لو تلين لهم فيلينون لك. قال الحسن: لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم. قال زيد بن أسلم: لو تنافق وترائي فينافقون ويراءون. وقال ابن قتيبة: أرادوا أن تعبد آلهتهم مدة ويعبدون الله مدة.
{وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} كثير الحلف بالباطل. قال مقاتل: يعني الوليد بن المغيرة. وقيل: الأسود بن عبد يغوث. وقال عطاء: الأخنس بن شريق {مَهِينٍ} ضعيف حقير. قيل: هو فعيل من المهانة وهي قلة الرأي والتمييز. وقال ابن عباس: كذاب. وهو قريب من الأول لأن الإنسان إنما يكذب لمهانة نفسه عليه.
{هَمَّازٍ} مغتاب يأكل لحوم الناس بالطعن والغيبة. قال الحسن: هو الذي يغمز بأخيه في المجلس، كقوله: {همزة} {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} قتَّات يسعى بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم.
{مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} بخيل بالمال. قال ابن عباس: {منَّاع للخير} أي للإسلام يمنع ولده وعشيرته عن الإسلام يقول: لئن دخل واحد منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا {مُعْتَدٍ} ظلوم يتعدى الحق {أَثِيمٍ} فاجر. {عُتُلٍّ} العتل: الغليظ الجافي. وقال الحسن: هو الفاحش الخَلْق السيئ الخُلُق. قال الفَّراء: هو الشديد الخصومة في الباطل وقال الكلبي: هو الشديد في كفره، وكل شديد عند العرب عُتُلِّ، وأصله من العتل وهو الدفع بالعنف. قال عبيد بن عمير: العُتُل الأكول الشروب القوي الشديد في كفره لا يزن في الميزان شعيرة، يدفع الملك من أولئك سبعين ألفًا في النار دفعة واحدة {بَعْدِ ذَلِكَ} أي مع ذلك، يريد مع ما وصفناه به {زَنِيمٍ} وهو الدَّعِي الملصق بالقوم وليس منهم. قال عطاء عن ابن عباس: يريد مع هذا هو دَعيٌّ في قريش وليس منهم. قال مرة الهمداني: إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة. وقيل: الزنيم الذي له زنمة كزنمة الشاة.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: نُعِت فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف، وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها.
قال ابن قتيبة: لا نعلم أن الله وصف أحدًا ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة فألحق به عارًا لا يفارقه في الدنيا والآخرة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان الواعظ، حدثني أبو محمد بن زنجويه بن محمد، حدثنا علي بن الحسين الهلالي، حدثنا عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان، حدثني معبد بن خالد القيسي، عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كلُّ ضعيفٍ متضعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار كل عُتُلّ جوَّاظ مستكبر».


{أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة وأبو بكر ويعقوب: {أأن} بالاستفهام. ثم حمزة وأبو بكر يخففان الهمزتين بلا مد ويمد الهمزة الأولى أبو جعفر وابن عامر ويعقوب ويلينون الثانية. وقرأ الآخرون بلا استفهام على الخبر، فمن قرأ بالاستفهام فمعناه: أَلأنْ كان ذا مالٍ وبنين؟


{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أي جعل مجازاة النعم التي خولها من البنين والمال الكفر بآياتنا. وقيل: معناه أَلأنَ كان ذا مال وبنين تطيعه.
ومن قرأ على الخبر فمعناه: لا تطع كل حلاف مهين لأن {كان ذا مال وبنين} أي: لا تطعه لماله وبنيه {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين}.
ثم أوعده فقال: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} و{الخرطوم}: الأنف. قال أبو العالية ومجاهد: أي نسود وجهه، فنجعل له علمًا في الآخرة يعرف به، وهو سواد الوجه.
قال الفرَّاء: خص الخرطوم بالسمة فإنه في مذهب الوجه لأن بعض الشيء يعبر به عن كله.
وقال ابن عباس: سنخطمه بالسيف، وقد فعل ذلك يوم بدر وقال قتادة: سنلحق به شيئًا لا يفارقه.
قال القتيبي تقول العرب للرجل سب الرجل سبة قبيحة: قد وسمّه ميسم سوء. يريد: ألصق به عارًا لا يفارقه، كما أن السمة لا ينمحي ولا يعفو أثرها وقد ألحق الله بما ذكر من عيوبه عارًا لا يفارقه في الدنيا والآخرة، كالوسم على الخرطوم.
وقال الضحاك والكسائي: سنكويه على وجهه.
{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} يعني اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع {كَمَا بَلَوْنَا} ابتلينا {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} روى محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: في قوله عز وجل: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة} قال: كان بستان باليمن يقال له الضّروان دون صنعاء بفرسخين، يطؤه أهل الطريق، كان غرسه قوم من أهل الصلاة، وكان لرجل فمات فورثه ثلاثة بنين له، وكان يكون للمساكين إذا صرموا نخلهم كل شيء تعداه المنجل فلم يجزه وإذا طرح من فوق النخل إلى البساط فكل شيء يسقط على البساط فهو أيضا للمساكين، وإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين وإذا داسوه كان لهم كل شيء ينتثر أيضا فلما مات الأب وورثه هؤلاء الإخوة عن أبيهم فقالوا: والله إن المال لقليل، وإن العيال لكثير وإنما كان هذا الأمر يفعل إذ كان المال كثيرًا والعيال قليلا فأما إذا قلَّ المال وكثر العيال فإنا لا نستطيع أن نفعل هذا فتحالفوا بينهم يومًا ليغدون غدوة قبل خروج الناس فليصرِمُنَّ نخلهم ولم يستثنوا يقول: لم يقولوا إن شاء الله فغدا القوم بسدفة من الليل إلى جنتهم ليصرموها قبل أن يخرج المساكين، فرأوها مسودة وقد طاف عليها من الليل طائف من العذاب فأحرقها فأصبحت كالصريم فذلك قوله عز وجل: {إِذْ أَقْسَمُوا} حلفوا {لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}1 ليَجُذُّنُها وليقطعن ثمرها إذا أصبحوا قبل أن يعلم المساكينُ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5